مونولوج فيروس

paru dans lundimatin#, le 16 mai 2020

أعزائي البشر، أَخرِسوا كل نداءات الحرب المثيرة للضحك؛ وأخفِضوا نظرات الانتقام الموجهة ضدي؛ وأطفِئوا هالة الذعر التي تحيطون بها اسمي. منذ العمق الجرثومي للعالم، نشكل نحن الفيروسات المُتصَّل للحياة على الأرض، فمن دوننا لم تكونوا لتروا الحياة أبداً، ليس أبعد من الخلية الأولى على كل حال.

نحن أجدادكم بقدر ما أنَّ الحجارة والطحالب أجدادكم، وأقرب إليكم من القرود حتى. نحن في كل مكان حيثما تتواجدون، وحيثما لا تتواجدون كذلك. هذا شأنكم إن لم تعودوا ترون في هذا الكون إلا أشباهكم ! ولكن توقفوا قبل أي شيء عن ترديد أنني أنا من أقتلكم. لن تموتوا جراء فعلي على أنسجتكم، بل بسبب غياب عناية أشباهكم من البشر. لو لم تكونوا مفترسين فيما بينكم، كما كنتم مع كل ما هو حيّ على هذا الكوكب، لكان ما يزال لديكم أسرّة كافية وممرضون ومَنَافِس تتجاوزون بها ما أُلحِقُهُ بِرئاتكم من أضرار. لو لم تزربوا عجائزكم في مصحّات للموت، والأصحاء منكم في أقفاص من الباطون المسلح، لما وصلتم إلى هنا. لو لم تغيروا كل الامتداد الخصيب حتى البارحة، الغني بفوضاه والمأهول بعالم، بل بعوالم لا منتهية، لو لم تحولوه إلى صحراء شاسعة لزراعة أوحدية من الشيء نفسه وبكميات أكثر، لولا كل ذلك لم أكن لأنطلق في غزوتي الكوكبية هذه إلى حلوقكم. لو لم تصبحوا كلكم، من أول لآخر القرن الماضي، نسخاً مكررة لشكل واحد لا يعولّ عليه من الحياة، لما كنتم تتحضرون للموت مثل ذباب في الماء المحلىّ لحضارتكم. لو لم تجعلوا بيئاتكم فارغة إلى هذا الحد، شفيفة إلى هذا الحد، مجردّة إلى هذا الحد، صدقوني ما كنت لأتنقل بسرعة مركبة هوائية. لم آت إلا لأنفذ العقاب الذي قررتم به ضد أنفسكم. عذراً، ولكن بحسب علمي أنتم من أطلق تعبير « أنتروبيسين » [1]. لقد استحوذتم على شرف الكارثة، الآن ها هي تكتمل وقد فات أوان الاستنكاف عنها. الأكثر نزاهة بينهم يدركون أحسن إدراك أن لا حليف ومتواطئ معي إلا تنظيمكم الاجتماعي، وهوسكم الجنوني بكل ماهو كبير وما يلحق بالكبر من اقتصاد، وبتمسككم المتعصب بـ « السيستم ». وحدها السيستمات « هشّة ». ما بقي يعيش ويموت. لا هشاشة إلا فيما يتوخى المراقبة، وما يتوخى التوسع والاستكمال العالي للأشياء. انظروا إليَّ جيداً : لستُ إلّا الوجه الآخر للموت السائد. 

توقفوا إذاً عن لومي واتهامي ومحاصرتي. توقفوا عن هذا الرعب الشالّ. في كل ذلك شيءٌ طفولي. أقترح عليكم أن نقلب النظرة : هناك ذكاء من جوهر الحياة نفسها. لا حاجة لأن نكون « ذوات فاعلية » حتى نمتلك ذاكرة أو استراتيجية. لا حاجة لأن نكون أصحاب سيادة حتى نقرر. فالجراثيم والفيروسات أيضاً يمكنها أن تقلب الدنيا وتقعدها. لِتروا فيّ إذاً منقذكم وليس حفّار قبوركم. لكم ألا تصدقوني، ولكني أتيت لأوقف الآلة التي لم تعودوا تجدون مكبحها. جئت لأعلق هذا النظام الذي كنتم رهائنه. جئت لأبيّن غرابة وشطط ما نعتقده « طبيعياً ». أترون كيف أني أستطيع أن أحني لغة وذهن حاكميكم : « توكيلنا للآخرين غذائنا وحمايتنا وقدرتنا على العناية بإطار حياتنا كان جنوناً »... « لا حدود للميزانية، فالصحة لا تقدر بثمن » [2] لا يزال « الليبراليون » ينظرون نظرة حسد إلى الامبراطورية الصينية. هم أشقاء سياميون، أن يحجر عليكم الأول لمصلحتك ويحجر عليك الثاني لمصلحة المجتمع، فكلا الخيارين يسحقان السلوك الوحيد غير العدمي : أنّ يعتني المرء بنفسه، وبمن يحبهم، وبما يحبه عند من لا يعرفهم. لا تدعوا الفرصة لأولئك الذين قادوكم إلى الهاوية كي يدّعوا أنهم سيخرجونكم منها : لن يفعلوا إلا تحضير جهنم أكثر اتقاناً وقبراً أكثر عمقاً، وإن استطاعوا يوماً سيرسلون دوريات الجيش إلى العالم الآخر.

في مواجهتي، لا تستلموا لا للذعر ولا للإنكار. لا تستسلموا للهستيريا البيوسياسية. ستكون الأسابيع القادمة رهيبة، مثقلة ومتوحشة. ستُفتح أبواب الموت على مصاريعها. أنا المنتج الأشد ضرراً للإنتاج الضار. جئت لأقود العدميين إلى العدم. لن يكون الظلم في العالم صارخاً بعد الآن. إنها الحضارة ما أتيتُ لدفنه، وليس أنتم. أولئك الذين يودون أن يعيشوا عليهم أن يتخذوا عادات جديدة، عادات خاصة بهم. سيكون في تجنبي فرصة لإعادة اختراع تلك العادات، في « فن المسافات » الجديد هذا. قريباً لن يخضع فن السلام لأي أتيكيت بعد أن كان البعض لا يرون، بسبب حَوَلِهم، أن ذلك السلام وذلك الأتيكيت هو الشكل المجسَّد للمؤسسة. لا تفعلوا كل ذلك « من أجل الآخرين »، أو « من أجل السكان »، أو « من أجل المجتمع »، بل افعلوا ذلك من أجل أهلكم. اعتنوا بأصدقائكم وأحبتكم، وأعيدوا التفكير معهم، وبكامل إرادتكم، بالشكل العادل للحياة. أقيموا « بؤراً » للحياة الخيّرة، وسّعوها، وحينها لن يكون بمقدوري شيء تجاهكم. هي ليست دعوة للعودة المعممة للانضباط، ولكنها دعوة للعودة إلى « الانتباه »؛ ليست دعوة إلى إنهاء دِعة العيش وهناه، بل دعوة لإنهاء « الإهمال ». ماذا بقي لي لأذكركم بأن الخلاص يكمن في كل بادرة؟ أن كل شيء موجود في التفاصيل؟ كان عليَّ أن أدرك أن البشرية لا تطرح على نفسها إلا الأسئلة التي لم يعد بالإمكان عدم طرحها. 

[ Monologue du virus مونولوج فيروس Ο μονόλογος ενός ιού What the virus said Viruksen monologi 病毒独白 Monolog eines Virus’ Monólogo do vírus Monólogo del Virus Monologo del virus مونولوگِ ویروس ウイルスの独白 Վիրուսը Խոսում է ]

[1الأنتروبيسين هو مفهوم يمكن أن يترجم بـ « عصر الإنسان » كمعادل « للعصر الجليدي » أو « العصر الحجري »، ويعني العصر الجيولوجي في عمر الأرض حيث للإنسان الأثر الأكبر عليها.

[2]يقتبس الكاتب هاتين الجملتين من خطاب الرئيس ماكرون بتاريخ 12 آذار الحالي حين توجه إلى الشعب الفرنسي بخصوص الاجراءات الطارئة المتعلقة بمواجهة كورونا.]. انظروا كيف أعيدهم لكم إلى مقامهم الحقيقي، بؤساء ووضيعين ! انظروا كيف يدينون أنفسهم ليس فقط كأناس دون وزن أو نفع، بل كمؤذين ! لستم في أعينهم إلا حامل إعادة إنتاج سيستيمهم، أي أنكم أقل من عبيد. حتى الهيدرية وحيدة الخلية تُعامَل أفضل مما تُعامَلون. 

ومع ذلك احذروا من أن تحملّوهم وزر المعاتبات وتجريم تقصيرهم أو اتهامهم بالفوضى وقلة الكفاءة، فذلك يعطيهم اهتماماً لا يستحقونه. بدل ذلك، اسألوا أنفسكم كيف أمكن أن تدعوهم يحكمونكم بهذه السهولة. الإسهاب في مديح فضائل الخيار الصيني مقابل الخيار البريطاني، أي الخيار الامبراطوري السانن للقوانين مقابل المنهج الدارويني الليبرالي، إنما يدلل على عدم فهم أي منهما؛ هول الخيار الأول وهول الخيار الثاني. منذ عصر كيسن[[كيسني Quesnay هو طبيب واقتصادي فرنسي من القرن السابع عشر.

lundimatin c'est tous les lundi matin, et si vous le voulez,
Vous avez aimé? Ces articles pourraient vous plaire :